إسع في كدحك ولا تكن خازناً لغيرك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)        ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء. ( نهج البلاغة ٣: ١٠٨)        لا تظلِم كما لا تحب أن تُظلَمَ. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)      
البحوث > الفقهية > فلسفة الفقه الصفحة

فلسفة الفقه
آية الله جعفر السبحاني
تعني لفظة ((الفلسفة)) عندما ترد مفردة دون إضافةٍ: ((معرفة الوجود))، وإذا أضيفت إلى لفظة أخرى، كما لو أُلحقت بها كلمة ((التاريخ)) مثلاً، فإنّها تكتسب معنى آخر يتناسب مع ما يعكسه المركب الجديد؛ فالتاريخ هو العلم الذي يبحث في أحداث ووقائع العالم وعللها ونتائجها بشكل مقاطع، في حين تهتم ((فلسفة التاريخ)) بالسُّنَن العامة التي يسير التاريخ وفقاً لها. فعندما ينظر المؤرخ إلى التاريخ نظرة تجزيئية مرحلية، ينظر باحثو فلسفة التاريخ إلى ((تاريخ العالم)) نظرة عامة، ترمي إلى مناقشة قوانينه واستكشاف سننه. وكنموذج لذلك: فالبحث في السبب الذي أدى إلى انتصار المسلمين وانكسار المشركين في ((بدر))، بحثٌ تاريخي، بينما البحث في كون التاريخ خاضعاً لقوانين وسنن، بحثٌ مختص بفلسفة التاريخ؛ أو أن البحث في العامل الموجِّه للتاريخ، أَهو واحد، كأن يكون الاقتصاد مثلاً، أو متعدد؟ يُعدّ من بحوث فلسفة التاريخ.
نفس هذا القول ينطبق على ((الفقه)) و ((فلسفة الفقه)). فالفقه يبحث في ((أحكام فعل المكلف))، ويقنن الحلال والحرام، ويرسم حدود حركة الإنسان، بينما يجري البحث في ((فلسفة الفقه)) عن المبادئ التصورية والتصديقية للأحكام وخصائصها وأهدافها.
فعندما يبحث الفقيه في تفريعات المسائل ويدرسها واحدة واحدة، يُلقي باحث فلسفة الفقه نظرة شمولية تتناول الفقه ـ الذي هو أحكام الله ـ ككل، فيصنِّف أحكامه إلى واقعية وثانوية، وتكليفية ووضعية، ويحدد نطاق الثابت منها ونطاق المتغير، كما ويبين علاقة الفقه بالعلوم الاخرى؛ وهو ما قد نجد بعضه مبثوثاً في علم الأصول، أو في غيره من العلوم، لكن فلسفة الفقه كعلم، يمكن القول انها علم حديث الظهور، لذا ينبغي إعارته اهتماماً أكبر وإدخاله وتدريسه لطلبة مدارس الفقه.
كانت هذه مقدمة بدأنا بها تمهيداً لمناقشة مقال صدر مؤخراً لأحد الكتاب في مجلة ((كيان)) العدد ٤٦، دار حول خصائص الفقه الإسلامي، وكان مقالاً نقدياً، وهو ما نرحب به، لأننا نعتبر النقد طريقاً للتكامل، ففي رحم تضارب الأفكار تولد الحقيقة، وفي أحضانها تترعرع. إليك مناقشة النقاط النقدية التي أثارها المقال نطرحها بصيغة أسئلة: