اتقوا ظنون المؤمنين، فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم. ( نهج البلاغة ٤: ٧٣)        رب ساعٍ فيما يضرّه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      الحدة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم. ( نهج البلاغة ٤: ٥٦)      من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها. ( نهج البلاغة ٤: ٤١)      أكبر العيب ما تعيب ما فيك مثله. ( نهج البلاغة ٤: ٨٢ )      
البحوث > القرآنية > تفسير سورة آل عمران (3) الصفحة

تفسير القرآن الكريم (سورة آل عمران)( ٣)
الأستاذ الشيخ محمود شلتوت
قلنا إن السورة عنيت بتقرير الحق في مسألة الألوهية وما يتعلق بها من أمر الدين والوحي والرسالة، وعنيت بتقرير العلة التي من شأنها أن تصرف الناس عن معرفة الحق، والعمل بمقتضاه، وإن هذه العلة ترجع إلى شدة الحرص على التمسك بالسلطان، والقبض لعي زخارف هذه الحياة.
وفيما بين الأمرين عرضت لكثير من عناد أهل الكتاب، وإثارتهم للشبه والشكوك في نفوس المسلمين، ومحاولتهم زعزعة الإيمان من قلوبهم، كفراً وعناداً، وصداً عن سبيل الله.
وفي جو هذه المواقف كلها وجَّهت السورة جملة نداءات للمؤمنين، ترشدهم فيها إلى ما يحفظون به أنفسهم من التأثر بحيل أعدائهم وخصومهم، ويركزون به وحدتهم، ويصونون كتلتهم، ويبقون به على شخصيتهم كأمة قوية متماسكة، لا يتسرب اليها شيء من عوامل الضعف والانحلال، لا من داخلها، ولا من خارجها.
وقد رأينا أن نتقدم بكلمات عن هذه النداءات التي سيجدون فيها القوى التي يحتمها الاجتماع لصيانة كل مجتمع، وما أجدرنا ـ معشر المسلمين ـ وبخاصة في هذا الوقت الذي انحلت فيه عرى الوحدة الإسلامية وتمكنت من المسلمين عوامل الإفساد داخلية وخارجية؛ ما أجدرنا أن نستمع إلى هذه النداءات الإلهية، وأن نتدبرها، وأن نعقل معناها، وأن ندرك وحيها، وأن نجعلها نبراسنا في الحياة، لتعود الينا صولة الأمة القوية، ومكانة الاخلاق القويمة، وننزل المنزلة التي أرادها الله لنا، وأنزل كتابه لأجلها (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
* * *
يتسرب الخلل إلى الجماعات، ويلحقها الضعف والوهن من نواح متعددة: يلحقها من جانب ضعفها النفسي، وقبولها التأثر بما يثار بينها من المثيرات، وما يذاع فيها من الأراجيف والاباطيل، ويلحقها من جهة انحلال أفرادها، وعدم تكتلهم حول هدفها وغايتها، ويلحقها من جانب السكوت عما يرتكب أبناؤها في داخلها من مخالفات وفسوق وآثام، فتنتشر حمي ذلك الوباء، فتعم الأمة، وتصبح كلها بعيدة عن الخير والفلاح، ويلحقها من جهة انخداعها بظواهر خصومها واعتقادها فيهم الإخلاص والصدق، فتمتزج بهم، وتلقي بحبال المودة إليهم، وتلحقها من جهة القسوة تملأ قلوب أغنيائها فتحول بينهم وبين الشعور بحاجة فقرائها، فلا يمد الغني