من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )     إتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رق. ( نهج البلاغة ٤: ٥٤)      أقيلوا ذوي المروءات عثراتهم. ( نهج البلاغة ٤: ٦)        ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      آلة الرياسة سعة الصدر. ( نهج البلاغة ٤: ٤٢)      
البحوث > الرجالية > الحاجة إلى علم الرجال الصفحة

الحاجة إلى علم الرجال
السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي
بسم الله الرحمن الرحيم
قد ثبت بالأدلّة الأربعة حرمة العمل بالظنّ، وأنّه لا يجوز نسبة حكم إلى الله سبحانه ما لم يثبت ذلك بدليل قطعي، أو بما ينتهي إلى الدليل القطعي، وناهيك في ذلك قوله سبحانه: (ءآللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(١).
دلّت الآية المباركة على أنّ كلّ ما لم يثبت فيه إذن من الله تعالى فنسبته إليه افتراء عليه سبحانه، كما ثبت بتلك الأدلّة أنّ الظنّ بنفسه لا يكون منجِّزاً للواقع، ولا معذِّراً عن مخالفته في ما تنجّز بمنجّز، ويكفي في ذلك قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(٢)، وقوله تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أكْثَرُهُمْ إلاَّ ظَنّاً إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)(٣).
وأمّا الروايات الناهية عن العمل بغير العلم فهي فوق حدّ الإحصاء، ففي صحيح أبي بصير: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال: ((لا، أما إنّك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله))(٤).
ثم إنّه لا ريب في أنّ العقل لا طريق له إلى إثبات الأحكام الشرعيّة؛ لعدم إحاطته بالجهات الواقعيّة الداعية إلى جعل الأحكام الشرعيّة.
نعم، يمكن ذلك في موارد قليلة، وهي إدراك العقل الملازمة بين حكم شرعي وحكم آخر، كإدراكه الملازمة بين النهي عن عبادة كالصوم يومي العيدين وفساده.
وأمّا الكتاب العزيز فهو غير متكفّل ببيان جميع الأحكام، ولا بخصوصيّات ما تكفّل ببيانه من العبادات، كالصلاة والصوم والحجّ والزكاة، فلم يتعرّض لبيان الأجزاء والشرائط والموانع.
وأمّا الإجماع الكاشف عن قول المعصوم ـ عليه السلام ـ فهو نادر الوجود، وأمّا غير الكاشف عن قوله ـ عليه السلام ـ فهو لا يكون حجّة؛ لأنّه غير خارج عن حدود الظنّ غير المعتبر.
والمتحصّل: أنّ استنباط الحكم الشرعي في الغالب لا يكون إلاّ من الروايات المأثورة عن أهل بيت

(١) يونس: ٥٩.
(٢) الإسراء: ٣٦.
(٣) يونس: ٣٦.
(٤) الكافي: الجزء ١، الكتاب ٢، باب البدع والرأي والمقاييس ١٩، الحديث ١١، ورواه البرقي في المحاسن مثله.