إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها أو التسقط فيها عند إمكانها. ( نهج البلاغة ٣: ١٠٩)     بالإفضال تعظم الأقدار. ( نهج البلاغة ٤: ٥٠)        لا تظلِم كما لا تحب أن تُظلَمَ. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)      إحذر أن يراك الله عند معصيته ويفقدك عند طاعته فتكون من الخاسرين. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)     صدر العاقل صندوق سره. ( نهج البلاغة ٤: ٣)      
البحوث > المتفرقة > العلم الإلهي الصفحة

العلم الإلهي
الشيخ محمد هادي معرفة
العلم في حقيقته هو انكشاف المعلوم لدى العالم، وهو أمر إضافي ينتزعه العقل من تقابل المُدرِك والمدرَك مع عدم حائل بينهما ; فليس العلم سوى رفع الحجاب الحاجز بين المنكشف والمنكشف لديه، فإذا لم يكن حجاب بين المُدرك ومُدرَكه، حصل الإدراك، الذي هو عبارة عن انتقاش صورته في ذهن المُدرك، على أثر هذا التقابل، سواء أكان عيناً أم معنىً(١).
فالعلم أمر اعتباري انتزاعي، منشؤه ذلك التقابل الخاص.
أما علمه تعالى بالأشياء فهو عبارة عن حضور الاشياء بأسرها لديه تعالى، وكل شيء هو رهن حضوره في محضر القدس تعالى، ليس يعزب عنه شيء.
وكانت صفحة الوجود بأسرها هي صفحة اللوح المحفوظ، المرشحة فيها صور الموجودات، لا بنقوشها واشكالها، بل بذواتها وأعيانها.
ولم يكن هناك حجاب بينه تعالى وبين الاشياء، ومن ثَمَّ كان علمه تعالى حضورياً، وكانت الاشياء بأسرها رهن حضورها في ساحة قدسه تعالى، وحتى الزمان لا يصلح حاجزاً في هذا المجال.
إذن لا يختلف علمه بالاشياء ـ بالنسبة إليه تعالى ـ سواء قبل وجوداتها أم بعدها، حيث صفحة الوجود، في طولها وعرضها، متساوية النسبة إلى ذاته المقدسة، التي لا يحدّها زمان ولا مكان.
نعم، جاء الاختلاف بالقياس إلى ذوات الموجودات (المعلومات لديه تعالى أزلاً) حيث مختلف التعلّقات والإضافات، فقد كان التعلق قبل وجوداتها ملحوظاً في وصف، وبعد الموجود ملحوظاً في ذات، فالعلم المتعلق بالذات، إنما يتحقّق بعد الوجود، وقد كان قبلاً متعلقاً بالوصف.
فهذا الاختلاف في العلم إنما هو بالنظر إلى المعلوم دون العالم، فلم يحصل تغيير في علمه تعالى الملحوظ في ذاته المقدسة، ولم يكن محلاً للحوادث، تعالى الله عن ذلك.
وعلمه تعالى، كما يتعلّق بالحقائق والماهيّات، كذلك يتعلق بالأعيان والأشخاص، إذ لا فرق بين الكليات والجزئيات في حضورها جميعاً بمحضر القدس تعالى، كلٌّ في صقع ظهوره وفي ظرف وجوده الخاص.
كما لا فرق في تعلق علمه تعالى بالأشياء قبل وجوداتها أزلاً تعلقاً بالوصف، المسمّى عندهم بالعلم الذاتي، أو بعد وجوداتها فيما لا يزال تعلقاً بالذات، المسمى عندهم بالعلم الفعلي، فلا يزال علمه تعالى بالأشياء ، سواء قبل الوجود أم بعد الوجود، وإن كان قد تغيّر العنوان بتغيّر المتعلق لا غير.

(١) قال العلامة الطباطبائي: (وليس العلم سوى حضور شيء لشيء) (نهاية الحكمة: ٢٨٩).