أهل الدنيا كركب يسار بهم وهم نيام. ( نهج البلاغة ٤: ١٥)      بادروا الموت الذي إن هربتم أدرككم، وإن أقمتم أخذكم، وإن نسيتموه ذكركم. ( نهج البلاغة ٤: ٤٦)      الحكمة ضالة المؤمن، فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      اتقوا ظنون المؤمنين، فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم. ( نهج البلاغة ٤: ٧٣)      إحذر أن يراك الله عند معصيته ويفقدك عند طاعته فتكون من الخاسرين. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)     
البحوث > المتفرقة > التراث في المشهد المعاصر الصفحة

التراث في المشهد المعاصر
د. فهمي جدعان(١)
إن اول ما يقف النظر عنده اليوم هو أن سهام العصر أصابت جملة البداهات الموصولة بأحوال الانسان ومنجزاته ومقاصده وطموحاته. لم يتبق شيء لم تطله يد التغييروالتبديل والقلب، ولم تُبق لنا الصيرورة الكونية إلاّض مواطن ضيقة نفيء اليها من التاريخ الذي مضى أو من الخبرات التي نجمت. وبكل تأكيد وقعت الاصابات الكبرى فيقطاعات التراث والتاريخ والانسان وافعاله. ذلك ما حدث في الغرب منذ أن اجتاحت الحداثة وقائع (ما قبل الحداثة) ومظاهرها وأحوالها لتقيم ابنية العالم الحديث والمعاصرالتي تفارق على نحو خارق جملة أبنية التراث القديم وتسلك طرقاً جديدة في المباينة والمفارقة والقطيعة برغم استمرار عدد من القيم المدنية الاغريقية وبرغم صمود الايمان المسيحي وسيره في الاتجاه المعاكس للتيار. وذلك ما حدث في عالمنا ايضاً منذ مطالع النهضة التي أعلنت عن نفسها في التلاحم العسكري العثماني الاوروبي وفي النهضة التيشرعها محمد علي في مصر وعبر عنها ممثلو التيار التمدني الحديث.
حين اخترقت الدولة العثمانية الحواجز الاوروبية، وحين عبرت القوى الغربية حدودالعوالم العربية والاسلامية، لم يعد التراث خالصاً لذاته. وهو بكل تأكيد قد فقد سمة المرجعية الاحادية في أعين أبنائه. وقد كانت تلك أول الاوضار التي لحقت به من منظارالاتباعية النقية المتماسكة. لم يعد الرد إلى (النص) و(التجربة التاريخية) ممكناًوحده عند نفر من الناس. اما التيار الجديد فقد اصبح يلحق بهذين الاصلين اصلاً جديداًهو (التمدن)، وبالتحديد (التمدن الغربي). ولم يمثل هذا التمدن في بادئ الأمر خطراً حقيقياً على القواعد والمرجعيات التاريخية. إذ لم يعن في أعين مفكري النهضة إلاّض اعتناق جملة من القيم وانماط الفعل والسلوك، التي كان هؤلاء على يقين تام من أنها لم تكن إلاّض قيماً ممتدة الجذور في حضارة العرب والاسلام، لكن العرب والمسلمين من ابناءعصور الانحطاط هجروها، بعد أو قبل أن يورثوها للغرب الذي اكتشف فيها مبدأ نهضته ورفعته وتقدمه وظفره. بيد أن تجاوز التراث ـ بما هو نص وتجربة ـ لاعتناق قيم التمدن لم يكن عملية مأمونة تماماً إذ إن التمدن ذو وجوه ومضامين معقدة، وهو لا يقف عندحدود التقدم المادي أو التكنولوجي، ولا عند مبدإ الرجوع إلى العقلانية الساذجة أوالمعتدلة، ولا إلى مجرد إتقان العمل والنظام والفاعلية.. وهي وجوه تجد لها سنداً صريحاًفي المعطيات الاتباعية العربية الاسلامية. لكنه كان يعني ايضاً اعتناق عدد من القيم (الحرة)، أعني القيم التي لا تابه بتسويغ نفسها وفق مرجعية مطلقة ما، أي وفق نص دينيإلهي أو شريعة اخلاقية مطلقة أو نظام جاهز من العناصر الفكرية والسلوكية. وأكثر من ذلك بدا أن التمدن الحديث يعني قطع الصلة بالتراث باطلاق،

(١) استاذ الفلسفة والفكر العربي والاسلامي، وعميد كلية الآداب بجامعة البنات الاردنية في عمان.