إياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      إذا بخل الغني بمعروفه باع الفقير آخرته بدنياه. ( نهج البلاغة ٤: ٨٨ )       لا تقل ما لا تحب أن يقال لك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)        رب ساعٍ فيما يضرّه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      الغيبة جهد العاجز. ( نهج البلاغة ٤: ١٠٦)      
البحوث > المتفرقة > الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين الصفحة

الإستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين
* السيد محمد الشاهد

مشكلة تعريف المصطلح
كثر الحديث في العقدين الأخيرين من هذا القرن العشرين عما يسمى في بلادنا (ظاهرة الاستشراق) شارك فيه المتخصص وغير المتخصص من يعرف لغات الاستشراق ومن لا يعرفها , فجاء معظم الحديث نقولاً عن نقول أخذت عن ترجمات فيها الصواب والخطأ وأصبح ميدان الاستشراق أو كاد حلاً لمن أراد التأليف السريع لا يتطلب من طالبه سوى جمع بعض ما سبق , وتوليفه وتزيينه بعناوين جذابة تُرضي ذوق متوسطي الثقافة.
إنك لا تكاد تجد بحثاً عن الاستشراق لا يُرجع الاستشراق إلى الاستعمار والتـنصير والمكر, والصراع وما شابه ذلك من كلمات مثيرة كثيراً ما تخرجه عن المنهج العلمي الذي يدعيه المؤلف ويرجوه القارئ , وكأن الاستعمار والتنصير والمكر والصراع لم يكن لها وجود قبل ظهور الاستشراق أو أن الاستشراق لم يبدأ قبل الإسلام أو كأن الاستشراق لا عمل ولا هدف له سوى الكيد للإسلام فترادف في مفهومنا مصطلح الاستشراق مع الكفر والعداء والصهيونية والماسونية وكل ما نظن فيه السوء ونتوجس منه الشر.
هذا الفهم القاصر للاستشراق سهل لنا تعليق كل أسباب انحطاطنا وتخلفنا على هذا المشجب متعدد الألوان, فتارة لونه الغزو الفكري وتارة التغريب الثقافي وتارة أخرى التنصير أو التبشير والعلمانية , وحدد لنا مسبقاً أساليب بحثنا فيه التي أبعدت كثيراً من الأبحاث عن الموضوعية العلمية فصرنا نبحث فيه فقط عن السلبيات فنضخمها وإذا تعثرنا صدفة ببعض الايجابيات حططنا من قيمتها وسؤنا القصد من ورائها وقذفنا كل من يحاول اعطاؤها قدرها التزاماً بالمنهج العلمي بشبهة التعاطف والتعاون والتحيز معهم , وقد يصل حماسنا لفهمنا وتصورنا وما نتبناه دون غيره إلى التشكيك في عقيدته.
لقد كثرت المؤلفات التي تضع في عين اعتبارها إرضاء مستوى معين من القراء وطال عصر هذا النوع من المؤلفات حتى اصبحنا غرباء عن المنهج العلمي فلم نعد نحسنه وإن ابتغيناه وتضاءل عدد أنصاره ومتقنيه وضعف شأنهم وقلت شهرتهم فاضطر بعضهم على مضض أن يدخل بعلمه سوق الاستهلاك المحلي , وتعفف البعض الآخر عن ذلك فتضاءل { ٢ {
عطاؤه بل ورغبته في العطاء , إن الاستشراق (علم) تعمقت جذوره, واتسعت مجالاته, واختلفت موضوعاته ,وتعددت مناهجه, وتحددت ضوابطه.
إن من ينكر علاقة الاستشراق لكل ما ينسب إليه في كتاباتنا , الاستعمار والتنصير في مقدمتها , يرتكب خطأ لا شك فيه ولكن من يقصر الاستشراق على كونه مساعداً للاستعمار والتنصير لا يقل خطأه عن الأول.
فالاستشراق وإن كان قد نشأ بالفعل في أحضان الكنيسة وكان الكيد للإسلام أهم أهدافه إلا أن هذه النشاة الأولى وأقصد هنا نشأة الاستشراق الأكاديمي بخلاف الاستشراق الفردي أو الشخصي غير المنظم, قد فقدت كثيراً من تأثيرها على تطور هذا العلم حتى أنه قد وصل هذا التأثير إلى مرحلة غاية في الضآلة وليس هذا فقط بل تحول عمل الاستشراق في بعض البلدان الاوروبية إلى مجال نقد الكنيسة وظهر صراع أو قل تنافس ومزاحمة بين المستشرقين والثيولوجيين الذين يهتمون بالدراسات الشرقية والإسلامية على وجه الخصوص , وأكثر من ذلك فلقد تأثر بعض الثيولوجيين النصارى بكتابات بعض المستشرقين فشاركوهم موقفهم النقدي من الكنيسة التي ينتمون إليها اقرأ مثلاً كتاب (علوم القرآن للمسيحيين) للثيولوجي الالماني المعروف باول شفارتزناو , حيث يظهر ما في القرآن الكريم من معلومات صحيحة عن المسيحية الأولى (الأصلية) واقرأ كتاب (صورة عيسى في القرآن الكريم) للثيولوجي الفلندي (هايكوزازينين) الذي اكد فيه على أن القرآن الكريم كرّم عيسى عليه السلام ووصف حقيقته بشكل دقيق يفوق ما جاء عنه في كتب المسيحية.
واقرأ كتاب (الإسلام) للمستشرق الفرنسي (أندريه ميكيل) الذي عرضه فيه لتاريخ الإسلام منذ البعثة إلى عهد عبد الناصر بأسلوب علمي فيه قدر كبير من الموضوعية.
وأقرأ في كتاب (المسيحية وديانات العالم) القسم الخاص بالإسلام والمسيحية ما ذكره مؤلفه الرئيس الثيولوجي المعروف (هانس كونج) ناقداً لأهم تعاليم المسيحية الكنسية مادحاً لكثير مما جاء في القرآن الكريم , ومقدراً للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) وكذلك ما كتبه المستشرق المعروف (جوزيف فان إس) في عرضه لوجهة نظر الإسلام من أن الإسلام قد فهم خطأ في الغرب وانه يختلف تماماً عن الصورة التي تنقلها كثير من المؤلفات ووسائل الاعلام الغربية.
وأقرأ ما كتبته المستشرقة (زيجريد هونكه) في كتابها (شمس الله تشرق على الغرب) وكتاب (جِمال على معطف القيصر) ثم كتابها الاخير (الله مختلف تماماً) ترد فيه على أهم