إياك ومصادقة الكذاب فإنّه كالسراب يقرب عليك البعيد ويبعد عليك القريب. ( نهج البلاغة ٤: ١١)        لا تظلِم كما لا تحب أن تُظلَمَ. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)        المرء أحفظ لسرِّه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)        إياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      
البحوث > المتفرقة > الاسلام والنظريات الغربية حول حقوق الإنسان الصفحة


الإسلام والنظريات الغربية حول حقوق الإنسان
د. محمد لكنهاوزن*
لقد اضحت كلمات مثل له : «المساواة» و«حقوق الانسان» شعارات سياسية، بيد الظلمة وغير العدول. والقادة المسلمون والمثقفون الغربيون يطالبون بوضع حدّ للأخطاء الواضحة التي ترتكب تحت مظلّة هذه الشعارات. وعلى المسلمين ان يتجنبوا بيان مطالبيهم الاخلاقية والسياسية بلغة القانون والحقوق، لان لغة القانون المتداولة في المناظرات السياسية والدولية الغربية هي حصيلة مفاهيم تختلف عن القيم التي يدافع عنها الاسلام.

ومن غير المعقول تصور امكانية الاستفادة من هذه المفاهيم دون التورط بالاطر المفهومية المبنية على بعض القيم، التي قد تتعارض مع القيم الاسلامية. واذا وجدنا من الضروري الدفاع عن الحقوق والمساواة على اساس القيم الاسلامية، علينا طرح النظرية الاسلامية في العدالة، والتي يمكن من خلالها ان تجد الحقوق والمساواة مكانتها الحقيقية. ومن خلال ذلك تتضح معالم النظرية السياسية الاسلامية، بشكل يميزّها عن اهداف النظريات الليبرالية الغربية. وهذا لايعني تعارض القيم الاسلامية مع الغربية بشكل تام، بل وعلى
{٢{
خلاف هذا التصور، فان نقاط الالتقاء والاشتراك بين القيم الاسلامية و الغربية كثيرة، لهذا نجد المسلمين يستخدمون اصطلاحات التساوي في الحقوق لبيان شكواهم وعقابهم.
ومن اجل تجنب الوقوع في الخطأ فيما يتعلق بالحقوق والاسلام، نجد من الضروري اخذ جانب الاحتياط والمراقبة عن كثب، فالخطأ الاول، هو ان المسلمين استخدموا لغة المساواة والحقوق، في مقام الدعوة للعدل، بشكل غير نقدي. والخطأ الثاني، هو حذف واهمال كل دعوى غربية في باب الحقوق لتصورهم أنها غير اسلامية. فتجنب هذه الاخطاء، يتطلب تقديم نظريات اسلامية في الاخلاق والفلسفة والسياسة، وهذا ليس باليسير، ونحن لانسعى هنا للقيام بهذا الجانب. بل سنلقي نظرة عابرة على مباني النظريات الغربية في المساواة الحقوقية، وسنشير خلالها الى مختلف نقاط الضعف والقوة، والمسائل التي هي مورد اهتمام في الفلسفة السياسية والاخلاقية الاسلامية.


العدالة عند ارسطو
لابـد من الـرجوع الـى كتـابات ارسطو لـفهم الـنظريات المعـاصرة فـي مجـال التساوي الحقوقي. وقد قسم ارسطو العدالة في كتاب «الاخلاق» الى مقولتين: توزيعية واصلاحية.
فالعدالة الاصلاحية، تقوم بإصلاح الاخطاء، وموضوع العقاب هو من عناوينها. في حين ان العدالة التوزيعية ـ على حد قول ارسطو نفسه ـ هي تـوزيع صحيح «لـلكرامة او الثروة او المواهـب الـتي يمكن تقسيمها بين اعضاء الـمجتمع». ويـقول: الـعدالة في الـتوزيع تعني ان يحصـل كل فرد من افراد المجتمع على مـايـستحقه، وهـنا يمكـننا الـوصول الـى مفهوم الـمساواة كمـا يـراه ارسطو، «جميع الـبشر يتـصورون ان الـعدالة يـجب ان تكون نـوعاً من المسـاواة... لانـهم يـقولون انه يجب ان تـكون الامور مـتساوية بـين المتساوين»١، لـكن هذا لايـعني تـوزيع جميـع خيـرات الـمجتمع بـين اعضـائه بـالتساوي، لانـه لايمكن لاعضـاء المجتمع ان تكون لهم استحقاقات متساوية في الحصول على مختلف الخيرات.


حقوق الانسان في العصر الحديث
من بداية العصر الحديث والى اليوم فسرّ علـماء الحقـوق الـطبيعية الـعدالة عـلى اساس الـتساوي الـحقوقي بيـن جمـيع البشر. وعلى هـذا الاسـاس، تتخذ المطـالـبة بالـتساوي

(١) قارن ذلك بـ Nichomachean Ethis, Politic ٥, ١٢٨٢b.١١٣١a.