لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه، وإياك أن تجمح بك مطيّة اللجاج. ( نهج البلاغة ٣: ٥٣)      أكرم الحسب حسن الخلق. ( نهج البلاغة ٤: ١١)      قيمة كل امرئ ما يحسنه. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)      ظلم الضعيف أفحش الظلم. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢)      أوضع العلم ما وقف على اللسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان. ( نهج البلاغة ٤: ٢٠)      
البحوث > المتفرقة > الحركة الإسلامية والتحديث الصفحة

الحركة الاسلامية والتحديث
الدكتور حسن الترابي
بسم الله الرحمن الرحيم

الدين الثابت والتدين المتطور
ومن أول بدائة الدين التي يعرفها أهله وأولياؤه معنى الثبات، لان الدين مرجعه الى الله الازلي الذي لا يحول، ولان أصل الدين هو الوحي المعصوم الذي ينتسخ . ولكن ما لا يعهده الناس في أمر دينهم هو المعنى الآخر الذي يزاوج الثبات ويجاريه. ألا وهو التطور والتجديد. وفي هذا تذكرة لاولياء الدين الذين يغفلون الا عن معنى الثبات والاستقرار في الدين ولاعداء الدين الذين يتوهمون في الدين طبيعة جمود ورجعية. والحق أن ظواهر الجمود والرجعية انما تطرأ على الحادثات وكسب البشر ولا تطرأ على جوهر الدين، فهي تغشي صور التدين أو مواقف الناس من الدين. ويفيد هؤلاء وأولئك أن يلاحظو أن الله ­ سبحانه وتعالى ­ قد اسس الحياة كلها على معنى الزوجية وهكذا جعل أمر الدين دائرا بين الثبات والتطور. فلئن كان في الدين أصل ثابت فان من الامراض التي تلازم التدين الجنوح للجمود، ومن المعالجات التي يستدعيها التدين التجديد بعد التقليد والبعث بعد الجمود.
فالوجود الكوني كله حادثات تزول وتحول، والتدين هو محاولة لعبادة الله من خلال التفاعل مع تلك الحادثات. فلابد للمتدين اذن حتى يثبت مع المعنى الديني الازلي ­ معنى عبادة الله ­ أن يتقلب مع هذه الحادثات، وأن يتطور حتى يضمن دائما استقامة على القبلة والوجهة الى الله ­ سبحانه وتعالى ­ ليكون على صراط مستقيم مهما تقلّبت به ظروف الدهر وأحواله. أما اذا ثبت المرء على حالة واحدة من التدين فان الدهر ­ بتقلبه ­ سيجرفه أو يقطعه عن وجه الله ­ سبحانه وتعالى ­ من حيث يحسب هو ويتوهم أنه ثابت على التوجه القديم. وذلك هو مغزى الطبيعة الابتلائية في الحياة الدنيا. فالله قد شاء ان يبتلينا بالتفاعل مع الكون، وقد كان لله ­ لو شاء ­ ان يبقينا في مسرح الجنة نعبده على وجه واحد مطلق ولكنه أنزلنا الى الارض وحياتها الدنيا وابتلانا بمختلف صروفها وظروفها. يمتحننا أحيانا على الصعيد الاجتماعي بالرخاء، ولكنه لا يديم علينا رخاءه وانما يسلمنا الى الشدة أحيانا اخرى لينظر كيف نعمل في كل حال «ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون».
ويمتحننا الله على الصعيد الحضاري بتحد يرد علينا من الخارج عدوانا وغزوا، كما يمتحننا بتحد يقع علينا من الداخل مرضا وانخذالا في وحدتنا او نهضتنا. وعلى أي صعيد من الحياة تأملنا اطوار التاريخ رأيناها جميعا اقدار ابتلاء يسلطها الله ويديرها علينا ولابد أن نتقلب معها ونتطور حتى نضمن في كل طور وفي كل دور ان نستقيم على معنى العبادة الثابت الذي يقربنا الى الله زلفى.
ولكن المرء اذا جمد بكسبه وركن الى حادثات الكون فان الحياة ستحتويه وتطوح به فيغدو عبدا مسخرا دائرا مع ظروف الكون محجوبا عن رسالته الانسانية في تسخير الكون نحو عبادة الله.