ارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      من دخل مداخل السوء اتّهم. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )        إسع في كدحك ولا تكن خازناً لغيرك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٦)      من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره. ( نهج البلاغة ٤: ٨١ )        الجئ نفسك في الأمور كلّها إلى الهك فإنّك تلجئها إلى كهف حريز ومانع عزيز. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)      
البحوث > المتفرقة > تأملات في نظرية التأميم في الإسلام الصفحة

تأملات في نظريّة التأميم في الإسلام
الدكتور محمد الدسوقي
إنّ الاسلام يربّي المسلم تربية تحول بينه وبين أن يكون عبداً للمال يجمعه من الحرام والحلال، ويتفقه في الشرّ والخير، وذلك يتّضح منذ نظرة الاسلام إلى المال، وتوجيه المسلم إلى مايجب عليه بالنسبة لحيازة المال والانتفاع به، فملكية المال في الأصل لله، فهو سبحانه مالك الملك وخالق الخلق، ومنطقنا البشري يقضي بأن يكون خالق الشيء هو مالكه: «لله ملك السموات والأرض ومافيهن»(١) «ذلكم الله ربّكم لا إله إلاّ هو خالق كل شيء»(٢).
والايمان بهذه الحقيقة، حقيقة أنّ المال مال الله، وأنّ البشر فيه خلفاء لا أصلاء، يحمل المسلم على أن يأخذ نفسه دائماً بما كتب الله في كسب الأموال وإنفاقها، فلا بطر ولا ترف ولا كنز ولا بخل، وإنّما هو الالتزام الصادق بمسؤولية النعمة وأمانة الخلافة، ورعاية الحقوق «ومابكم من نعمة فمن الله»(٣) «وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه»(٤) «وآتوهم من مال الله الذي آتاكم»(٥).
وإذا كان المال قد نُسب في بعض الآيات القرآنية إلى البشر، مثل قوله تعالى: «إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنّما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً»(٦). فإن هذه النسبة أو الإضافة لاتدلّ على ملكية حقيقية للمال، وإنّما تدلّ فقط على أن الناس ملكوا حق الانتفاع به، بكل مايقتضيه هذا الحق من التصرّف والاستهلاك والاستثمار، وذلك لأنّ القاعدة في إضافة الاشياء يكفي فيها أدنى الأسباب، وقد اضاف القرآن الكريم أموال السفهاء إلى أوليائهم في قوله تعالى: «ولاتؤتوا السفهاء أموالكم»(٧) لا لأنّ الأولياء ملكوه، بل لأنّ لهم الولاية عليه والتصرّف فيه. إن ملكية الله للحال هي الملكية الأصيلة، وملكية البشر هي الملكية التبعية أو ملكية الانتفاع ولاتناقص بين هذه وتلك.
وهذه الحقيقية، حقيقة أن المال مال الله، تنبّه اليها بعض علماء الاقتصاد; إذ يقرّرون أن الناس

* رئيس قسم الفقه والاصول في كلية الشريعة بجامعة قطر.
(١) سورة المائدة، الآية ١٢٠.
(٢) سورة الأنعام، الآية ١٠٢.
(٣) سورة النحل، الآية ٥٣.
(٤) سورة الحديد، الآية ٧.
(٥) سورة النور، الآية ٣٣.
(٦) سورة النساء، الآية ١٠.
(٧) سورة النساء، الآية ٥.