كفى بالقناعة ملكاً وبحسن الخلق نعيماً/ نهج البلاغة ٤: ٥١.      لا يستحين أحدٌ إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه. ( نهج البلاغة ٤: ١٨)        ليس جزاء من سرك أن تسوءه. ( نهج البلاغة ٣: ٥٤)        خض الغمرات للحق حيث كان. ( نهج البلاغة ٣: ٣٩)      إحذروا نفار النعم، فما كل شارد بمردود. ( نهج البلاغة ٤: ٥٤)     
البحوث > المتفرقة > الفقه والفقهاء في مصر على عهد المماليك (1) الصفحة

الفقه والفقهاء في مصر على عهد المماليك
الشيخ عبد العزيز المراغي
قد يبدو للقارئ غريباً بادئ الرأي أن تكون ثمة صلة بين الفقه الإسلامي في تطوره وحالة البلد الاجتماعية، فللفقه الإسلامي طريقته الخاصة في التطور وفي التطبيق، وله معينه الخاص الذي يفيض منه، وتخرج منه فروعه ضيقاً أو اتساعاً، وقبضاً أو بسطاً، حسب ما يعن لكل فقيه مجتهد على ضوء القواعد الأصولية التي ارتضاها جمهرة العلماء فيصلاً في قواعد التفريع واستنباط الأحكام الفرعية.
نعم إن الفقه الإسلامي قد اتخذ شكلاً خاصاً عندما اتسعت رقعة الأمبراطورية الإسلامية، وأظل الخفاق من راياتها أمماً لها نظامها الخاص وطابعها الخاص مما استدعى في أكثر الأحايين أن تبقى تلك النظم وهذه الطوابع ما دامت لا تؤثر على الروح العامة للتشريع، أو بعبارة أوضح، ما دامت لا تصدم القواعد العامة للتشريع. وحسبك أن تقرأ أي كتاب ذكرت فيه آراء الخلفاء الذين تمت تكل الفتوحات في عهدهم، فتجد من تلك الآراء ومن آراء من تعتد برأيهم ما يقنعك بصدق تلك القضية التي أسلفناها وما كانوا يرون في ذلك غضاضة، فالدين يجب ان يكون للكل، والشرعية تجب أن تكون سمحة ميسرة للكل، وظل الحال كذلك حتى جاء دور التدوين ودور الاجتهادات المذهبية، فتبلورت هذه المجموعة الفقهية الأولى الواسعة فيما عرف بعد باسم مذاهب الفقه الإسلامية، من الأربعة المعروفة وغيرها، مما ضُبط وجه الرأي فيه ونقل نقلاً صحيحاً، وكان ممن يعتد بقائله في الإجماع وظل الحال على ذلك أيضاً ـ ولكن على شئ من الضيق ـ شيئاً فشيئاً حتى اكتسحت العالم الإسلامي موجة المغول التي قضت على تلك الامبراطورية وأتت بنيانها من القواعد.
وفي الحق لم يكن مجئ المغول ليعني قيام دولة وذهاب أخرى فحسب، ولكنه كان في الواقع صراعاً بين نوعين من التفكير لم يعهد لهما اجتماع ولا تقارب من قبل، فللغول قانونهم، ولهم نظامهم، ولهم شريعتهم، إلى غير ذلك مما لا نريد الاطالة فيه فمرجعه كتب التاريخ التي عنيت بهذه الناحية، وللمسلمين أيضاً طرائقهم في التفكير، وشريعتهم، وسنتهم، وفقههم، ولكن مجئ المغول قد عنى من الناحية السياسية أن ينقل عبء الدفاع عن الإسلام وتقاليده وميراثه إلى مصر. ذلك أنه لم يكن ثمت في أي بلد من البلاد الإسلامية ـ وقد نخر في عظامها جميعاً السوس ـ دولة أو دويلة أو أقليم ينهض للقيام بهذا العبء غير مصر فكان من الطبيعي أن يولي العالم الإسلامي وجهه شطرها لتقف سداً ضد ذلك السيل