العقل وطرق الاجتهاد(١)
الشيخ جعفر كوثراني*
لم يكن العقل غائبًا آنًا ما عن ساحة البحث الأصولي ، بل والفقه الاستدلالي منذ انطلاقته بعد الغيبة الكبرى لآخر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) - الإمام الثاني عشر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)- فساهمت الأبحاث العقلية في عملية الاستدلال بشكل فاعل في أكثر من جهة، سواء في الكشف عن كبريات الاستدلال الفقهي(٢)، أم في كونه بذاته كاشفًا عن الحكم الشرعي ومدركًا له بمعنى دليليته له، فيثبت له دور الحاكمية، فضلاً عن الفاهمية، وهذه القضية بالذات - أي كون العقل حاكمًا لا فاهمًا فحسب – قد شغلت الفقهاء وصارت محل نزاع ومثار جدل فكري أصولي، ولعبت دورًا هامًا في تنوّع منهج الاستدلال في الفقه الإمامي، وكانت من أظهر الأسباب التي ساعدت في نشوء المدرسة الفقهية الأخبارية إلى جنب المدرسة الفقهية الأصولية(٣).
وقد اعتمدت المدرسة الأولى على المنهج النقلي الروائي، والمتمثّل بالنمط الأخباري الذي برز لدى محدّثي الشيعة الأوائل أمثال الشيخ الصدوق وثقة الإسلام الشيخ الكليني، ورواة أحاديث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ممتدًا إلى العصور المتأخرة(٤).
فاقتصر الفقه لدى هذه المدرسة على نقل الرواية وتبويبها وترتيبها ثم الأخذ بمؤدّى ظاهرها فحسب، دون اللجوء إلى أدلة أخرى، لاستبعادهم العقل أو ما يرجع إليه من قواعد عن مسرح العملية الفقهية في استنتاج الحكم الشرعي.
فكان أن اقتصر أخذ الحكم الشرعي لدى الفقهاء الأخباريين من الأخبار الواردة عن طريق الأئمة الأطهار (عليهم السلام)(٥).