الرسول (صلى الله عليه وآله) وأسباب النزول
الشيخ حسن حيدر
تمهيد
تُمثّل أسباب النزول نصوصًا نقليّة تحكي نزول الوحي، وقد شغلت الباحثين -بما هي سياقات ثقافيّة وتاريخيّة واجتماعيّة تحيط بالنصّ القرآنيّ- على مرّ العصور، وذلك في إطار تعاملهم مع نصّ المصحف ومحاولة بيان مسائله وتدبّر قضاياه، فكان لها حضور بارز امتدّ بامتداد علم التفسير، حتّى اشتهر أنّه لا غنى للمفسّر عنها، وعدّوا العلم بها من شروط التفسير وفهم القرآن(١).
وقد بدأ حديث أسباب النزول في مرحلة مبكرة من مراحل التاريخ الإسلاميّ، فقد كان ذلك مقارنًا للدعوة والرسالة، أي مقارنًا لأولى نفحات الوحي، ثمّ واصل رحلةً امتدّت عصورًا، وقد اتّخذ خلالها أشكالاً متعدّدة، شكّلت جذور هذه المسألة.
من هنا لا يمكن -من الناحية المنهجيّة- عزل بحث أسباب النزول عن إطاره التاريخيّ، فالحصول على إجابات وحقائق جديرة بالثقة في نطاق أسباب النزول، يتوقّف على وضع البحث في إطاره التاريخيّ الذي امتدّ قرونًا من الزمن.
وفي هذه المقالة نتابع أولى الاهتمامات بهذا الباب -من خلال دراسة حركة الرسول (صلى الله عليه وآله)-، ونتأمّل في طبيعة هذا الاهتمام، على أن يكون ذلك مناسبة لتقصّي التطوّرات التي رست عليها أسباب النزول خلال مراحل لاحقة -إذا وفّقنا الله تعالى-، معتقدين بأنّ هذه الوقفة تجعل الصورة أسلم وأوضح، وتُلقي بظلالها على البحث بمختلف مستوياته، وتحدّد كثيرًا من معالمه.
عقبات البحث التاريخي
لا يخفى على القارئ العقبات التي تنتظر بحثًا تاريخيًّا لم تمسّه يد التحقيق ولم يُطرق بشكل منهجيّ ومستقلّ من قبل، وقد مضى عليه أكثر من عشرة قرون من عمر الزمن، ممّا جعل