من أشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ومن أشفق من النار أجتنب المحرمات. ( نهج البلاغة ٤: ٧ـ ٨ )        أحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)       إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء. ( نهج البلاغة ٣: ١٠٨)      عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار. ( نهج البلاغة ٤: ١٩)      أكرم الحسب حسن الخلق. ( نهج البلاغة ٤: ١١)      
البحوث > المتفرقة > الأقليات في الدول الإسلامية الصفحة

الأقليات في الدولة الإسلامية
الشيخ حاتم إسماعيل *
تمهيد
من المسائل المهمة والحسّاسة,  التي طُرحت في الدراسات المعاصرة, في ما يرتبط بالدولة والمجتمع, مسألة الأقليات الدينية والعرقية, نظرًا لعلاقتها وارتباطها بحقوق الأفراد والجماعات في أنظمة الحكم, وكثيرًا ما ألصق الغربيون والعلمانيون تُهم التمييز العنصري ضد الأقليات العرقية والدينية, في نظام الحكم الإسلامي، بدعوى أنه لا يعترف بحقوق الأقليات، حيث اعتبر الأقليات الدينية (أهل ذمة)، ليس لهم في الحكم الإسلامي حقوق كاملة يتمتعون بها كسائر المواطنين، ولذلك فهم يلزمون بدفع الجزية, وكفى به توهينًا لهم, واستصغارًا لشأنهم, وحطًّا من كراماتهم.
وأما الأقليات العرقية، فهم بدورهم، لا يتساوون مع الأكثرية الحاكمة، في الحقوق والواجبات، وإن كانوا من المسلمين، وشواهد هذا التمييز كثيرة، من العصر الأموي والعباسي، بل والعثماني، حيث ظهر التمييز ضد الأقليات، في كثير من مفاصل التاريخ الإسلامي, بل إن الثابت من سير بعض الخلفاء والولاة أنه لم يكن يَقبل دعوى من مولى ضد عربي, وأن للعربي أن يأخذ منه ما يشاء عند حاجته, دون أن يحقّ له الاعتراض عليه في شيء.
بل ربما يقال أن الإسلام لا يعترف بالآخر، استنادًا إلى ما تقدم, وبملاحظة الدعوة إلى الحرب والجهاد ضد مخالفيه والقضاء عليهم واستئصالهم.
ولكن الحقيقة مخالفة لهذه التصورات جملة وتفصيلاً، إذ لا بد لمن ينظر بعين الإنصاف، أن يميّز أولاً بين ما قامت وتقوم به الحكومات الإسلامية، وبين القانون الإسلامي المشرّع, ولا يصحّ بحال من الأحوال، أن يُحمّل الإسلام وزر الأخطاء في التنفيذ، نتيجة اجتهادات خاطئة في فهم الأحكام، أو سوء النوايا عند بعض الحكام.
فلا بد من تسليط الضوء على هذه المسألة, لنعرف مدى مجانبتها للواقع والحقيقة, وإثبات أنها مجرد افتراء على هذا الدين الحنيف, اقترفته أيدي الغربيين الآثمة, كيدًا منهم للإسلام وأهله, وسعيًا منهم إلى إسقاطه من نفوس المسلمين, فيُسهّل ذلك لهم القضاء عليه, ويحققّون بذلك حلمًا طالما انتظروه, بدءًا من الحروب الصليبية, حتى إذا عجزوا عن تحقيق ذلك بالقوة, لجأوا إلى الخداع, والعمل على تهديمه بمعول الثقافة والمعرفة المزعومة، وهذا ما تمتد جذوره إلى بدايات الخلافة الإسلامية، كما هو معروف من سير مسلمة أهل الكتاب.

* باحث إسلامي ومدرّس في الحوزة العلمية.