أحسن كما تحب أن يُحسن إليك. ( نهج البلاغة ٣: ٤٥)        لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      ما أكثر العبر وأقل الاعتبار. ( نهج البلاغة ٤: ٧٢)      كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنّه يتسع. ( نهج البلاغة ٤: ٤٧)      إتق الله بعض التقى وإن قل، واجعل بينك وبين الله ستراً وإن رق. ( نهج البلاغة ٤: ٥٤)      
الدروس > بحث خارج > أصول > مباحث الدليل اللفظي الصفحة

اجتماع الأمر والنهي
(الترتب)
بسم الله الرحمن الرحيم
- هذا البحث من مهمات بحث علم الأصول، والحديث عنه يقع في عدة جهات.
الجهة الأولى: في ثمرة البحث وقد بينها استاذنا السيد الشهيد (قده) بصياغة تختلف عن صياغة السيد الخوئي (قده) واعمق من صياغته.
فالصياغة الأولية نقول فيها:قد عقد الأصحاب بابين لمعالجة التصادم بين الدليلين
أحدهما: يسمى بباب التعارض وهذا موكول بحثه إلى محله .
والباب الآخر: يشترك مع الأول في انه يعالج التصادم بين الدليلين ويسمى بالتزاحم.
قد يقال أليس التزاحم هو تعارض، ولماذا نفترض بابين ولكل باب نظامه الخاص؟ يقول أستاذنا السيد الشهيد (قده) في مقام الجواب أن فرض التمييز أو عدم التمييز من ثمرات باب الترتب فلو آمنا بالترتب وصحته فسوف يوجد بابان، أما لو لم نؤمن بالترتب فلا يصح فرض بابين وسيكون التزاحم شقاً من شقوق التعارض.
وتوضيح ذلك كبيان ابتدائي: هو أن كل تكليف مشروط بالقدرة كما هو المشهور. وهذا شرط ارتكازي كالمخصص المتصل، فقوله إذا زالت الشمس فصلِّ يتضمن معنى إن قدرت على الصلاة فصلِّ.
فهنا إن قلنا بالترتب كان معنى ذلك أن الانشغال بكل واحد من الضدين يرفع موضوع الضد الآخر ، لأنه فرض أن القدرة شرط في التكليف، فلو انشغل المكلف بالصلاة فلن يقدر على الإزالة وبالعكس، ولو ترك أحدهما قدر على الآخر، طبعاً هذا في صورة التساوي في الأهمية لملاك الدليلين فيكون كل واحد مقيد بعدم الانشغال بالآخر. فلا يبقى أي تكاذب في عالم الجعل بين الدليلين بعد هذا الفهم، لا تكاذب ذاتي ولا عرضي، نعم هناك ضيق في قدرة المكلف لامتثال كلا الضدين وهذا هو الذي يسمى بالتزاحم.
أما لو قلنا أن الترتب مستحيل كما ذهب إليه صاحب الكفاية(قده) فلابد أن يكون إطلاق كل من الدليلين شاملاً لمورد الآخر. فيقع التعارض والتكاذب ولو بين الاطلاقين، فيرجع حينئذ باب التزاحم إلى التعارض ولا معنى لفرض نظم وقوانين خاصة بباب التزاحم تختلف عن نظم باب التعارض. هذا هو البيان الابتدائي للثمرة.
إلا أن السيد الخوئي (قده) ذكر صياغة أخرى لثمرة باب الترتب وهي كما قال: لو وقع التزاحم بين العبادة الموسعة والواجب المضيق كالصلاة الموسعة والإزالة المضيقة وترك المكلف المضيق واشتغل بالموسع فهنا عبادته تكون صحيحة بناءً على الترتب لان الأمر بالصلاة طولي أي في طول ترك الإزالة، أما مع عدم القول بالترتب فتبطل العبادة لأنه لا أمر بها وملاكها غير محرز حتى يتقرب به. هذا في المضيق والموسع.
أما في المهم والاهم مع كون كلاهما مضيقاً كإنقاذ الغريق والصلاة فلو ترك المكلف الإنقاذ وصلى فصلاته صحيحة أن قلنا بالترتب وصلاته باطلة أن لم نقل بالترتب لأنه لا يوجد أمر بالصلاة والملاك غير محرز ليتقرب به.
هذا إذا لم نؤمن بالأمر العرضي بالجامع الموسع الشامل للفرد المزاحم.
وقد ذكرأستاذنا الشهيد (قده) عدة تعليقات على هذا الكلام.
الأول: انه مع غض النظر عن بعض الاشكالات في هذا الكلام إبداء الثمرة بالصيغة التي بيناها افضل وأولى من بيان السيد الخوئي (قده) وذلك لنكتتين:
النكتة الأولى: أن بيان السيد الخوئي من ثمرات ومظاهر بياننا حيث أن بياننا انصب على الجذر وبيانه انصب على الفرع. لأنه يتساءل لماذا عند القول بالترتب تصح العبادة وعند القول بعدم الترتب تبطل العبادة؟
وجوابه انه على الأول أي الصحة لا يدخل التزاحم في التعارض بينما على الثاني أي البطلان يدخل التزاحم في التعارض.
النكتة الثانية: أن ثمرتنا بلحاظ المباني أوسع من ثمرته ففي بعض المباني تبطل ثمرته، فمثلاً على مبنى إحراز الملاك وكفايته في قصد القربة تبطل ثمرته، لان الصلاة تصح على كل حال لان الملاك محرز ويكفي قصده لتصحيح الصلاة ، بينما الثمرة على الكيفية التي عرضناها وان كانت أيضا تصح فيها الصلاة لكن يبقى كيف يتعامل مع الضدين (صلِّ وأزل) هل يطبق قوانين باب التعارض أو قوانين باب التزاحم؟
التعليق الثاني على كلام السيد الخوئي (رحمه الله) انه خصص الثمرة بالضد العبادي وقد بينا أنها اعم تشمل التوصلي ايضاً، نعم في التوصلي يكفي إحراز الملاك في تصحيح الضد التوصلي، أما العبادي بناءً على أن الملاك لا يمكن التعبد به فيكون إحرازه غير كافٍ لان القربة يجب أن تضاف إلى المولى وهنا الحب من المولى غير معلوم لأنه مزاحم وعليه يوجد فرق بين التبعدي والتوصلي بينما على كلام السيد الخوئي(قده) ينبغي أن لا يكون هناك فرقاً بين التعبدي والتوصلي فكان يجب الإشارة إلى ذلك.
التعليق الثالث: انه بناءً على مسلكه أن القدرة ليست شرطاً في التكليف كان ينبغي له إنكار الثمرة وذلك لان التكليف بغير المقدور معقول إذ طلب الضدين في عرض واحد ممكن وان ضاقت قدرة المكلف عن امتثالهما معاً نعم غاية الأمر لا يتنجزا معاً لكن لا موجب لسقوط الأمر بالضد.
التعليق الرابع: أن ما أفاده من الثمرة في العبادة الموسعة بناءاً على استحالة إطلاق الأمر العرضي للفرد المزاحم منها مع الواجب المضيق كما ذهب إليه النائيني (قده) ، فقد تقدم دفعه وانه ليس تطبيقاً صحيحاً لقاعدة استحالة الإطلاق حيث يستحيل التقييد.
-أما تتميم اصل البحث من حيث الثمرة فمشروط بأمرين:
الأول: أن لا يكون الأمر بالشيء مقتضياً النهي عن ضده وإلا بطلت الثمرة لان النهي يبطل الأمر بالضد حتى ولو كان توصلياً، وكذلك لو قلنا بان الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده فالتزاحم حتماً يرجع إلى التعارض بين الأمر بالضد والنهي عنه.
الثاني: إن نؤمن بان التكليف مشروط بالقدرة ومع عدم الإيمان بذلك فلا ثمرة للترتب كما ذكرنا.