إحذر أن يراك الله عند معصيته ويفقدك عند طاعته فتكون من الخاسرين. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)       العقل حفظ التجارب، وخير ما جرّبت ما وعظك. ( نهج البلاغة ٣: ٥٢ـ ٥٣)      ما خيرٌ بخيرٍ بعده النار، وما شرٌّ بِشَرٍّ بعده الجنة. ( نهج البلاغة ٤: ٩٢)      إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل. ( نهج البلاغة ٣: ٥١)      العلم خير من المال، والعلم يحرسك وأنت تحرس المال. ( نهج البلاغة ٤: ٣٦)      
الدروس > بحث خارج > أصول > الأصول العملية الصفحة

العلم الاجمالي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
التنبيه الأول: في الاضطرار إلى أحد الأطراف:
إذا طرأ الاضطرار إلى ارتكاب أحد الأطراف فهل يجب الاجتناب عن الطرف الآخر أو الأطراف الآخر، أو لا؟ فيه أقوال: وصور المسألة ستة: لان طرو الاضطرار أما قبل حدوث العلم الإجمالي، أو معه أو بعده، وعلى كل تقدير، فالاضطرار أما إلى الطرف المعين أو إلى واحد لا بعينه، أما الأقوال فنشير إلى الأقوال المعروفة وهي ثلاثة:
الاول: أن الاضطرار مانع عن فعلية التكليف سواء طرأ قبل العلم أو معه أو بعده وكان المضطر إليه واحداً معينا من الأطراف أو واحد إلا بعينه وهذه خيرة المحقق الخراساني في كتاب الكفاية.
الثاني: الفرق بين الاضطرار إلى واحد لا بعينه فلا يجب الاجتناب عن الطرف الآخر، وواحد معين فيجب الاجتناب عن الطرف الآخر، وهو خيرته في هامش الكفاية.
الثالث: القول بالاجتناب إذا اضطر إلى واحد منها لا بعينه مطلقاً، سواء كان الاضطرار قبل العلم بالتكليف أو معه أو بعده، وأما الاضطرار إلى المعين ففيه التفصيل بين طروه قبل العلم أو معه فلا يجب الاجتناب عن الآخر وطروه بعده فيجب الاجتناب وهو خيرة الشيخ الأعظم في فوائده واليك توضيح الأقوال وبيان مداركها.
ألف: عدم وجوب الاجتناب مطلقا:
ذهب المحقق الخراساني إلى أن الاضطرار إلى أحد الأطراف مطلقاً يوجب عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الآخر وذلك لأنه كما يكون مانعاً عن العلم بفعلية التكليف لو كان إلى واحد معين كذلك يكون مانعاً لو كان إلى غير معين ضرورة انه مطلقاً موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف لو تركه تعيينا أو تخييرا وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو وجوبه بينها.
ثم أورد على نفسه إشكالاً وحاصله:
أن ما ذكرت إنما يصح إذا كان الاضطرار سابقا على حدوث العلم أو مقارنا فانه يمنع عن تعلق علم تكليفي فعلي بأحد الطرفين، وأما إذا كان لاحقا للعلم المتقدم فلا، لان مقتضى وجود العلم الإجمالي السابق المتعلق بتكليف فعلي، هو الاجتناب عن الباقي لان المفروض عند تعلق العلم الإجمالي بتكليف فعلي قابل للامتثال، عدم الاضطرار إلى ارتكاب أحد من الطرفين وهو كاف في لزوم الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه فالاجتناب عن الطرف الآخر من آثار العلم السابق على الاضطرار.
وأجاب عنه بان الاضطرار من حدود التكليف، والتكليف من أول الأمر محدد بعدم عروض الحرج والضرر، فعروضه كاشف عن عدم وجود تكليف فعلي لازم للامتثال وان ذاك العلم لم ينعقد منجزاً وان زعم صاحبه انه منجز لاحتمال أن يكون مورد التكليف هو المضطر إليه، فيما إذا اضطر إلى المعين، أو يكون هو المختار إذا اضطر إلى واحد لا بعينه.
ثم أورد إشكالاً آخر بأنه أي فرق بين عروض الاضطرار –بعد العلم بالتكليف- إلى أحد الأطراف معينا أو غير معين، وبين أراقة أحد الأطراف بعد تعلق العلم الإجمالي إذ يجب الاجتناب عن الطرف الباقي وما هذا إلا لان الاجتناب عنه من آثار العلم الإجمالي السابق وان لم يكن موجودا بالفعل.
ثم انه أجاب عنه بوجود الفرق بين الاضطرار وفقدان الموضوع بان الاضطرار من حدود التكليف، فالتكليف محدد إلى حد الاضطرار فإذا طرأ الاضطرار ارتفع التكليف وهذا بخلاف وجود الموضوع فليس التكليف محددا ومقيدا به.
هذا توضيح ما ذكره في الكفاية.
ويلاحظ عليه:
بان الاضطرار يطلق ويراد منه تارة الاضطرار العقلي الملازم لعجز المكلف عن القيام بتكليفه فهذا ليس من حدود التكليف بل هو من مسوغات التكليف، فلا يصح إلا بعد وجود الأمور العامة التي منها القدرة العقلية، وأخرى الاضطرار العرفي الملازم للحرج والتعب فهو من حدود التكليف جمعاً بين إطلاق قوله: اجتنب عن النجس وقوله ((رفع عن أمتي ما اضطروا إليه))، لكن التفريق بينه وبين فقد المكلف به بلا وجه، لأنه كالاضطرار من حدود التكليف إذ لا يصح الاحتجاج بالكبرى من دون ضم الصغرى، ولذلك، لو فقد بعض الأطراف قبل حدوث العلم الإجمالي ثم علم إجمالا بان النجس أما الإناء المفقود، أو الإناء الموجود، فلا يوثر العلم الإجمالي أبدا.
ب- التفصيل بين الاضطرار إلى المعين والاضطرار إلى واحد لا بعينه
وقد عدل المحقق الخراساني في هامش الكفاية عما ذكره فيه إلى التفصيل بين الاضطرار إلى إناء معين من الإناءين، والاضطرار إلى أحدهما لا بعينه، ففي الأول يكون العلم الإجمالي منجزا بالنسبة إلى الطرف الآخر دون الثاني فلا يكون منجزا وقد أفاد في وجه التفصيل ما هذا توضيحه.
لو اضطر إلى أحدهما المعين يجب الاجتناب عن الطرف الآخر وذلك لان التكليف فيه محدود بحد الاضطرار، فلو كان هو المحرم يكون التكليف فيه محدودا بحد الاضطرار، لافتراض حصول الاضطرار بالنسبة إليه، بخلاف ما إذا كان المحرم هو الطرف الآخر، فالتكليف لا يكون فيه محدود بحد الاضطرار بل يبقى التكليف فيه على إطلاقه لافتراض عدم الاضطرار إليه، والعلم الإجمالي المردد بين التكليف المحدود الساقط، والمطلق غير المحدود الباقي، يكون منجزاً ويكون أشبه بالعلم الإجمالي المردد بين القصير والطويل، فلو علم بوجوب قراءة آية مرددة بين القصيرة كقوله سبحانه: مد هامتان أو الطويلة كآية الدين يكون العلم الإجمالي فيه منجزا.
وأما إذا كان الاضطرار إلى واحد لا بعينه فلا يلزم الاجتناب عن غير المختار أيضا لان الاضطرار يمنع عن فعلية التكليف في البين لما مر من أن الاضطرار حد التكليف من غير فرق بين كونه مضطرا إلى واحد بعينه أو إلى أحدهما والمفروض صلاحية كل إناء، لرفع الاضطرار.
يلاحظ عليه: أن الضابطة في تنجز العلم الإجمالي هو أن يكون محدثا للتكليف على كل تقدير حتى، يحصل العلم بالتكيلف القطعي وإلا فلو كان موجباً له على فرض دون فرض، فلا يكون هناك علم به، مثلاً إذا دار سقوط قطرة من الدم بين الماء الكر والقليل، فلا يجب الاجتناب عن الآخر لعدم العلم بإحداث التكليف وعلى ضوء ذلك، يجب عليه القول بعدم وجوب الاجتناب إذا اضطر إلى ارتكاب المعين من الإناءين، والاجتناب إذا اضطر إلى الواحد غير المعين، على خلاف ما اختاره وذلك لأنه لو كان الاضطرار إلى واحد معين من الإناءين سوف يحدث التكليف على وجه (إذا كان الحرام في غير الإناء المضطر إليه) ولا يحدث على وجه (إذا كان الحرام في الإناء المعين) بخلاف ما إذا كان الاضطرار إلى واحد منهما، فيحدث على كل تقدير ثبوتا، لا مكان معالجة الاضطرار بغير الحرام.
وبعبارة أخرى أن الميزان في تنجز العلم الإجمالي أن يتعلق العلم الإجمالي بشيء لو تعلق به العلم التفصيلي لتنجز عليه التكليف الموجود في البين على كل تقدير، وهذا غير صادق عند الاضطرار إلى واحد معين انه لا ينجز، إذا كان الحرام في الإناء المعين، وينجز إذا كان غيره وهذا بخلاف ما إذا كان الاضطرار إلى واحد لا بعينه فالتكليف الموجود في البين منجز ولا يجوز له شرب النجس بحجة الاضطرار على كل تقدير، إذ في وسع المكلف معالجة الاضطرار، بغير الحرام.
ج- وجوب الاجتناب عند الاضطرار إلى غير المعين والتفصيل في المعين.
ذهب الشيخ الأعظم في الفرائد إلى التفصيل بين الاضطرار إلى واحد منهما لا بعينه فيجب الاجتناب عن الآخر سواء كان الاضطرار قبل العلم بالتكليف أو معه أو بعده، والاضطرار إلى واحد معين، ففيه التفصيل بين طرو الاضطرار قبل العلم أو معه، فلا يجب الاجتناب عن الآخر وطروه بعد العلم فيجب الاجتناب عن الآخر.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين